م. ر. راغو: محددات الأمن والسياسة النقدية وأسعار النفط والاقتصادات الناشئة تتصدر مخاطر دول مجلس التعاون الخليجي

09/02/2016

أجرى المركز المالي الكويتي "المركز" مؤخرًا عرضًا تعريفيًا لعملائه ولخبراء السوق بعنوان "أبرز المخاطر في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2016 وما بعد" في تشيرمانز كلوب. وقد قدم العرض السيد م. ر. راغو، نائب أول للرئيس في قسم الأبحاث في "المركز" والعضو المنتدب لشركة مارمور مينا إنتلجنس، وهي شركة تابعة ومملوكة "للمركز" تقدم خدمات متكاملة في البحث والتحليل المالي لاقتصادات وأسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأشار العرض التقديمي إلى ضرورة اتخاذ إصلاحات منهجية من أجل مواجهة التغيرات الاقتصادية وارتفاع الطلب على الوظائف عالية المستوى وتزايد الضغوط على البنية التحتية العامة.

وقد أجرى السيد راغو مقارنةً بين المخاطر التي كانت متوقعة في العام 2015 والمخاطر التي تحققت فعليًا. وقد اشتملت المخاطر المتوقعة على العجز الروسي عن سداد الديون السيادية، وخروج اليونان من منطقة اليورو، والتوقعات المستقبلية للنمو الضعيف في كل من الاتحاد الأوروبي والصين، ومخاطر تنظيم داعش، والاضطرابات الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي، وغيرها. وقد تحقق بعض هذه المخاطر، بينما لم يتحقق البعض الآخر. ومن جهة أخرى، فوجئت معظم الأسواق العالمية بتراجع سعر النفط إلى أقل من 40 دولار أمريكي للبرميل بسبب اتجاه الدول الأعضاء في منظمة الأوبك إلى استراتيجية الدفاع عن حصة السوق بدلاً من المحافظة على الأسعار، إلى جانب الاتفاق النووي الإيراني، والانخفاض الحاد في سعر صرف الريال البرازيلي.

كما أبرز السيد راغو المخاطر المتوقعة والمرجّح تحققها في العام 2016. فمع تراجع أسعار النفط إلى ما دون 40 دولار أمريكي للبرميل، بدأت التساؤلات حول مدى قدرة منظمة الأوبك على الاستمرار بسياستها الراهنة والقائمة على ضخ أكبر كمية ممكنة من النفط سعيًا إلى زيادة حصتها من السوق والضغط على المنتجين ذوي التكلفة العالية. ولا تتوفر أي فوائض مالية نفطية لدى بعض كبار المنتجين، ومنهم فنزويلا ونيجيريا والجزائر، الذين يعتمدون في إيراداتهم على الصادرات النفطية، ولذلك فإنهم يواجهون عجزًا متزايدًا في ميزانياتهم وحساباتهم الجارية. وعلى افتراض استمرار انخفاض أسعار النفط، فإن الدول الخليجية المصدرة للنفط يمكن أن تشهد تراجعًا كبيرًا في أصولها الأجنبية على مدى السنوات الخمس القادمة، بينما يمكن أن يرتفع إجمالي دينها العام إلى 59% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقاً للسيناريو الحالي، تخضع استراتيجيات دول مجلس التعاون الخليجي الهادفة للحفاظ على حصة السوق بسعر التكلفة إلى الاختبار.

ومن جهة أخرى، تم مؤخراً رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بمعدل 25 نقطة أساس في 16 ديسمبر 2015، مع قيام الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بزيادة مدى سعر الفائدة الأساسي بربع نقطة مئوية إلى ما بين 0.25% و0.50%. ومن المتوقع أن تشهد أسعار الفائدة مزيدًا من الارتفاع خلال عام 2016، بمعدل متوسط مستهدف يقدر بنسبة 1.375%. وحيث أن السندات الأمريكية وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة تمثل مؤشرات قياسية عالمية، سوف تؤدي هذه الزيادات المتوقعة إلى ارتفاع تكلفة التمويل في الولايات المتحدة وتغيير قيمة كل شيء في جميع أنحاء العالم. وسوف تتأثر أسواق الأسهم بفعل تراجع وفرة رأس المال قليل التكلفة. كذلك سوف يتأثر أيضًا حجم اقتراض القطاع الخاص.

وأدى إقبال الصين على الاقتراض بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008 إلى ارتفاع كبير في حجم الائتمان والذي وصل إلى 240% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الثالث 2015. ويؤدي النمو المتزايد للائتمان، إبان فترة تشهد نموًا اقتصاديًا بطيئًا، إلى تضخيم المديونية. وقد أصبح سوق السندات الصينية اليوم ثالث أكبر سوق في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان، ووصل حجمها إلى حوالي 5.6 ترليون دولار أمريكي مع نمو حجم إصدار السندات بمعدل 56% في العام 2015، مما أدى إلى تحذيرات من مواجهة وضع يشبه الفقاعة في السوق. وأثرت المخاوف من تراجع الإنتاج الصناعي والتباطؤ الاقتصادي في الصين على الأسواق العالمية، وتعرضت أسعار السلع الرئيسية لضغوط كبيرة.

وبعد عشر سنوات من الارتباط السلبي بين الأسهم والسندات، يمكن أن تؤدي صدمات أسعار الفوائد في العام 2016 إلى علاقة أقل استقرارًا، يرافقها ارتفاع في معدلات التضخم وضبابية في السياسة النقدية العالمية. وفي ظل هذا السيناريو، يمكن أن تفقد السندات مكانتها كأوراق تحوط جيدة في مقابل الأسهم متراجعة الأداء.

والجدير بالذكر أن إجمالي حجم الدين العالمي قد اقترب من 60 ترليون دولار أمريكي. وقد نتجت الزيادة عن ديون الشركات غير المالية، وعلى الأخص في اقتصادات الأسواق الناشئة. ويطلق على التحديات التي تواجهها الأسواق الناشئة المثقلة بالديون اصطلاح "الموجة الثالثة" من الأزمة المالية. وقد نتجت هذه الموجة عن تراجع أسعار السلع إلى أدنى مستوياتها، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، وانخفاض معدل التضخم العالمي.

وإلى جانب ذلك، نجد أن هناك انخفاضًا حادًا في تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة منذ العام 2014 مع تراجع ملحوظ في العام 2015. ومن المرجّح أن تنخفض التدفقات الأجنبية الواردة إلى ما دون المستويات التي كانت عليها في العام 2008، مع ارتفاع التدفقات المحلية الصادرة لتصبح تدفقات رؤوس الأموال الصافية المتوقعة إلى الأسواق الناشئة في العام 2015 سلبيةً للمرة الأولى منذ العام 1988. وسوف ينتج هذا الانسحاب من الأسواق الناشئة بشكل رئيسي عن عوامل داخلية هي: استمرار التباطؤ في نمو الأسواق الناشئة، والذي تتضخم تأثيراته نتيجة لتزايد الضبابية المحيطة بسياسات اقتصاد الصين، ورفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وشهدت العملات موجة من الانخفاض في قيمتها في أغسطس 2015 بدأت بعد قيام الصين بخفض قيمة اليوان بحوالي 2%، ثم تلتها عدة أسواق ناشئة رئيسية منها فيتنام، وروسيا، والبرازيل وغيرها. وجاء قرار الصين بالسماح بخفض قيمة عملتها ببطء ولكن بثبات بهدف تشجيع الصادرات، مما أدى إلى تفاقم المخاوف من أن الاقتصاد الصيني يمكن أن يكون أكثر هشاشةً مما هو متوقع.

ويرى السيد راغو أن دراسة المخاطر التي سبق عرضها أعلاه تدفع إلى الاعتقاد بأن الاقتصاد الأقل عرضة للمخاطرةً في العام 2016 هو الاقتصاد الأمريكي، تليه مباشرةً الاقتصادات الأوروبية المتقدمة، ثم اقتصادات الشرق الأوسط (وعلى الأخص دول مجلس التعاون الخليجي). وتعتبر اقتصادات الأسواق الناشئة الأكثر عرضة للمخاطرةً في عام 2016 وذلك للأسباب التي جرى بيانها آنفًا.

أما على صعيد دول مجلس التعاون الخليجي تحديدًا، فيمثل نمو العجز، وعدم استقرار الاقتصاد والأسواق في الصين، واستمرار الاضطرابات الجيوسياسية، مخاطرًا عالية في هذه المنطقة. وبينما تواجه الدول المصدرة للنفط عجزًا في ميزانياتها وحساباتها الجارية، بدأت دول عديدة باستخدام احتياطياتها والاقتراض من الأسواق لسد الاحتياجات الناتجة عن اتساع الفجوة في أرصدتها المالية. وقد بدأت دول مجلس التعاون الخليجي بترشيد الدعوم لخفض الإنفاق. كما أنه يتم مناقشة الإصلاحات الضريبية لزيادة الإيرادات غير النفطية. ويؤثر بطء النمو الاقتصادي في الصين، والتي تعتبر أكبر مستورد للسلع ومنها النفط الخام، على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتمد في إيراداتها على صادراتها إلى الصين، بالإضافة إلى أن النزاعات الإقليمية تواصل زعزعة الاستقرار في المنطقة وعرقلة الاستثمارات. ويعد التحدي الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي في ظل تراجع أسعار النفط هو توجيه ثقة المستثمرين إلى الاستثمارات لمواجهة التقلبات الدورية من قبل الحكومات لتحفيز النمو الاقتصادي.

وفي ظل المخاطر والتحديات الحالية، يجب على الحكومات العمل على اتخاذ إصلاحات منهجية من أجل تحقيق أهداف مستدامة طويلة الأجل. كما يجب أن يتحالف القطاعين العام والخاص لدعم الإصلاحات وتعزيز الثقة على نحو مستمر.

###
نبذة عن المركز المالي الكويتي "المركز"
تأسس المركز المالي الكويتي (ش.م.ك.ع.) "المركز" في العام 1974 ليصبح أحد المؤسسات المالية العريقة على مستوى منطقة الخليج العربي في مجالي إدارة الأصول والاستثمارات المصرفية. ويدير المركز الآن أصولاً مجموعها 1.05 مليار دينار كويتي (3.47 مليار دولار أمريكي) كما في 30 سبتمبر 2015. وقد تم إدراج "المركز" في سوق الكويت للأوراق المالية في العام 1997.